أهلًا، لا أود أن أحكي لكم عدد المرات التي سؤلت بها عن خوفي من الذكاء الاصطناعي وتهديده للقطاع الإبداعي، وكذلك عدد مرات التلميح نُصحًا لي بإعادة التفكير بمهنتي كطبيب أسنان بنبرة شفقة وبوبي آيز! أظن أنه وجهت لك أسئلة مشابهة كذلك؛ فالذكاء الاصطناعي ما زال أداة إلى هذه اللحظة، فإن استبدل الذكاء الاصطناعي العاملين في الصناعة الإبداعية فيمكنه أن يستبدل جميع المِهن.
على أية حال، لا أفكر بالذكاء الاصطناعي كتهديد كُثر تفكيري بغياب الثقافة والهوية، أو حتى عولمتها؛ فالعاملين الإبداعيين هم رواة قصص وحكواتيين من الدرجة الأولى، فجميع ما نقوم به يدور حول ثقافة الناس والمنطقة، وإن كان الفرد أو الفريق الإبداعي غير مدرك لهذه الثقافة، فغالبًا سيهوي إلى القاع؛ إلا إن كانوا محظوظين وأصابت معهم.
طوال الأعوام الثمانية الماضية عملت في السوق العربي، فأنا عربي أصيل ترعرعت وعشت في المنطقة، وتنقلت بين عدة مدن ودول عربية؛ ولفترة محدودة عملت في السوق الأوروبية، كانت تجربة سيئة، ليس لأنه سوق سيء ولكن ببساطة لا أفهم ثقافتهم، ولا أفهم كيف ومتى يكونون جديين أو فكاهيين، ولا كيف يقظون أوقات فراغهم على سبيل المثال؛ فالأمر مشابه لإعلانات الشركات الأمريكية والأوروبية عند قدومها للسوق العربي دون فهمه، فبالتأكيد مررت بصورة رجل أشقر يرتدي لباس عربي بطريقة مضحكة؛ قد يجدها البعض مهينة، لكن هم فعلًا غير مدركين للثقافة ولا يفهمونها.
أرى أن آثار عولمة الثقافة بدأت تتسارع وتيرتها مؤخرًا، فثقافة الجيل الجديد تكاد تكون حيادية بين عربية وغربية؛ مصطلحاتهم الدارجة قد يصعب علينا فهم بعضها أحيانًا وكذلك حسهم الفكاهي والثقافي، كنت أظن أنه فارق جيل ولكن الفئة التي أتحدث عنها يفرق بيني وبينهم ربما خمسة أعوام ليس أكثر؛ لا أحكم إن كان هذا أمر سيء أم جيد، لكن لا أرى أن عولمة الثقافة أمر مريح، فهذه الحيادية عليها اتخاذ مجرى واضح؛ وهذا يعطي تحدٍ جديد للصناعة الإبداعية، ولهوية المنطقة.
قد تكون عولمة الثقافة تصب في مصالح تجارية وربما سياسية، فوجود حضارة مستقلة تحافظ على هوية المكان والإنسان هو أمر فطري، فدائمًا نحن نميل لما يشبهنا ويفهمنا، نبحث عن مجتمعات ننتمي لها أو قضية نتبناها، فهذا يعطينا شعور بالأمان والأهمية، وهو جزء أساسي من حبكة القصة؛ أن تدور حول الإنسان ذاته.
في رأيي، خيار دراسة السوق واختباره أمر جيد، ولكنه خطوة ثانية؛ فالخطوة الأساسية هي أن يكون الفرد أو الفريق الإبداعي عاش بين الناس، يفهمهم، يعرف احتياجاتهم ويستطيع توقعهم، لا أن ينظر لهم بعين المراقب والمختبر عن بعد؛ فنحن بالفعل نحاول أن نصيب النقطة الصحيحة، ولن نتأكد من النتائج قبل مواجهة السوق بطريقة طبيعية، لا أن يكون الجمهور تحت اختبار او استبيان؛ هذا هو الميدان.
في الصناعة الإبداعية نحن نعمل على صناعة القصة والتجربة، وقد تكون القصة مبتكرة أو من المجتمع ذاته، ولكن بالنهاية نحن نصنع هذه التجارب لتدور حول أشخاص نفهمهم، لنلمس شيء بداخلهم أو نلبي احتياجاتهم؛ فهذا ما نجحت به الشركات المحلية التي اجتاحت الإقليم وذاع صيتها عالميًا؛ ليس لأنها شركة ذات ثقافة عالمية، بل لأنها فهمت ثقافة المنطقة وحافظت على هويتها.
تدوينة جميلة!
شكرًا واثق!
مقال رائع لقد أصبت الهدف
بارك الله فيك بجهودك
شكرًا شكرًا يا أمي!