أهلًا، التعليم من الأمور التي تعتلي هرم أولوياتي، ولكن هناك خط فارق بين التعليم الوهمي والتعليم الحقيقي؛ وبالتأكيد جميعنا شاهدنا مقاطع تيك توك وإنستگرام ريلز لأشخاص يشيرون إلى الشاشة مع فقاعات كلامية متتالية عن كيفية تعلم مهارة أو تسهيل طريقة الحصول على المال من خلال الدروب شيبينغ “drop shipping” مثلًا، وكل هذا بخمسة خطوات وخلال عشرة ثوانٍ مع خلفية موسيقية؛ ولا ننسى حصّة الصور المتتابعة كذلك.
لا أقلل من قدر هؤلاء الأشخاص ولا قيمة مجهودهم في خطف الراغبين بتعلم هذه المهارات؛ ولكن هل فعلًا هذه طريقة صحيحة للتعلم؟
في هذه المقالة سأتحدث عن شحذ العقلية بدلًا من تعلم الكيفية، وبالتأكيد هو مجرد رأي أُدلي به على طاولة النقاش لربما استطيع رؤيته من زاوية مختلفة أو ربما يساعد من يشقون طريقهم في تعلم مهارة جديدة.
هُنا، لن أتطرق لنقطة التعليم الجامعي والتعليم الذاتي؛ فبالنسبة لي فقد تخرجت من كلية طب الأسنان وتعلمت التصميم الجرافيكي ذاتيًا، وبصراحة انخراطي في عقلية التصميم هو ما ساعدني على اجتياز كلية طب الأسنان – قد اشارك هذه التجربة في مقالة منفصلة – لذا، الفرق بين تعلم الكيفية وبناء العقلية هو جوهر هذه المقالة وبالطبع يمكن إسقاطها على كلتا طريقتي التعلم.
نقطة اختلافي الأساسية مع التيكتوكرز هو تتفيه التعليم إن صح القول، أو ربما تسطيح وتهوين هذه العملية؛ هناك فئة اخرى اختلف معهم في النقطة ذاتها ولكن لا أودّ فتح جبهة؛ فتعليم كيفية تصميم شعار أو خطوات تصميم شعار لن يجعل منك مصممًا بل ناسخًا ومطبقًا لما تشاهده، وتعلم استخدام الأدوات كذلك لا يعني أن الشخص أصبح مصممًا مخضرمًا، فبكل بساطة الأدوات تعتبر دخيلة لتسهيل عملية التصميم، وليست هي التصميم ذاته.
أرى أن التصميم هو الفِكر، وشاركوني أفكاركم في هذه النقطة؛ وأن القفز إلى حزمة ادوبي هو من أجل ترجمة هذا الفِكر بصريًا لا أكثر، وكُل التصميم هو ما يحدث قبل هذه المرحلة؛ ففي منحنى تعلمي المستمر للتصميم والمليء بالانخفاضات اكثر منها الارتفاعات، مررت بمرحلتين أساسيتين، وتمامًا كما يدور في ذهنك، كانت أولها مرحلة الكيفية ومن ثم مرحلة العقلية؛ توجهي نحو مرحلة العقلية كان نتيجة تساؤلي عن كيف يمكننا صناعة تصميم يستمر ويعيش وليس تصميم تريندي، فعنصر الاستمرارية كان مهمًا وكذلك رغبتي في صناعة عمل متزن يقوم بمهمته أولًا قبل أن يكون عملًا جميلًا لا يؤدي الغرض منه.
من وجهة نظري، ففهم الناحية السيكولوجية للمتلقي هو عنصر أساسي، وقد تكون مثل فهم سلوكيات المستخدمين والمستهلكين وطريقة تفاعلهم مع البيئة المحيطة؛ ففي الناحية السيكولوجية وفي صناعة العلامات التجارية على سبيل المثال، يجب أن نفهم كيف سيتفاعل المتلقي مع هذه العلامة، وهنا لا اتحدث عن الناحية البصرية والسلوك الشرائي فقط، بل تشمل البنية التحتية للعلامة وهويتها؛ جميع هذه النقاط لا حصر عليها تؤثر على المخرجات البصرية والحسّية وعلينا الخوض عميقًا بها للخروج بنتيجة حقيقية.
كذلك مهارة حل المشاكل والتفكير التصميمي عامةً هي مهارات أساسية، فبالنهاية وجد التصميم لحل المشاكل؛ ونقصد بالمشاكل هنا أشياء مثل عملية التواصل وايصال رسالة ما؛ وتشمل مهارة التفكير التصميمي عمليات مثل البحث والفهم والتجربة، وعمليًا هذه المهارة سيكون لها تأثير على حياتك وليس فقط عملك.
فهم الخطّ، قواعد الخط تهذب عقلية المصمم، ولا أقصد أن تكون خطاطًا ولكن للخط تأثير على توازن وترابط الأشكال معًا، ففهم مسافاته وقواعده سيؤثر على النتائج البصرية كاملة في التصميم وليس فقط الناحية التايبوگرافية؛ وإن كان هناك مهارات أرغب في العمل عليها خلال الفترة القادمة بشكل أكبر، فسيكون للخط نصيب جيد.
وتطول القائمة هنا، مثل فهم الألوان والأشكال والقراءة في علم النفس وتجربة المستخدم وسلوكياته، ولكن الهدف الأساسي من هذه المقالة ليس إعطاء خطوات تتبعها لتختيم مراحل التصميم كاملة؛ فشحذ العقلية هي عملية تراكمية تُبنى مع مرور الوقت ولكن كل ما علينا هو استمرارية محاولة توجيه هذا السلوك.
سبب اهتمامي في العقلية هو ديمومتها وقابلية تطويرها وهي البنية الأساسية للإبداع، وهي عنصر التمييز بين الأفراد وهذا لا ينطبق على التصميم فقط؛ بينما تعلم الكيفية لن يولد أفكارًا جديدة وإنما فقط أمور فنية وتقنية، ودائمًا ستبقى الكيفية بحاجة لأساس عقلي تبني عليه.
سياقات وأساليب التعلم أمر يجذبني كثيرًا، والافتقار لتعليم العقلية هو أكبر نقاط اختلافي مع المناهج التعليمية، لذلك أرى أن هذا الأمر يقع على عاتق الفرد وسعيه.
مهتم جدًا بمشاركتي أفكاركم، صندوق التعليقات مفتوح وكذلك بريدي الإلكتروني.
إن شاء الله دائما من نجاح لنجاح وتحقق كل شي بتتمناه يااااااارب 😘
مقالة رائعة